السجاد الأرمني هو سجاد منسوج يدوياً ويُنتج في المنطقة التاريخية لأرمينيا، والتي تشمل أرمينيا الحالية بالإضافة إلى أجزاء من تركيا وإيران وأذربيجان. يتمتع السجاد الأرمني بتاريخ غني ويُعرف عالمياً بجماله الفني.
تذكر المصادر الأرمنية القديمة أن السجاد كان يُستخدم لتزيين أرضيات وجدران الكنائس في القرن الخامس، كما وصفت استخدامه أثناء تناول الطعام. وتشير السجلات التاريخية، والأدب، وغيرها من الروايات من مصادر يونانية وفارسية وعربية وبلغارية إلى أن السجاد الأرمني كان يُقدَّم كضريبة، وكان يُنهب ويُعد موضع إعجاب منذ العصور ما قبل المسيحية. ومن اللافت أن المصادر العربية كانت تشير إلى تفوق السجاد الأرمني، الذي غالباً ما يُعتبر ذروة الفن الإسلامي. وما يميز هذه الروايات التاريخية هو أن السجاد الأرمني لم يكن مجرد منتج من أنوال منزلية صغيرة، بل كان ثمرة مشاريع تجارية منظمة صنعت أعمالاً ضخمة ذات جمال استثنائي. إذ يمكن أن يصل حجم السجادة الواحدة إلى 60 متراً مربعاً!

لكن كل شيء تغيّر عندما سقط آخر مملكة أرمنية في كيليكيا، الواقعة في ما يُعرف اليوم بجنوب شرق تركيا، في أيدي المماليك المصريين في القرن الثالث عشر. في ذلك الوقت، فرّ العديد من الأرمن من وطنهم، واستقروا في ترانسيلفانيا، وبولندا، والقرم، وفارس. وليس من قبيل المصادفة أن نسج السجاد المتطور بدأ بالظهور في تلك الفترة في هذه البلدان وغيرها، حيث حمل الأرمن فنهم معهم ونقلوه إلى سكان البلدان المضيفة. ويُعد السجاد المملوكي المصري من تلك الحقبة مثالاً بارزاً على ذلك.
في أوائل القرن السابع عشر، نقل الشاه الفارسي عباس حوالي مئة ألف أرمني من جلفا (في الأناضول) إلى “جلفا الجديدة” التي أنشأها خارج مدينة أصفهان. وقد منحهم احتكار تجارة الحرير، وأرسلهم إلى الهند، حيث أنشأوا مراكز تجارية مزدهرة. ومنذ ذلك الوقت بدأ إنتاج السجاد الفارسي الكبير، وكذلك سجاد المغول في الهند. وفي الوقت نفسه، نُسجت في أصفهان السجادات الشهيرة المعروفة باسم “بولونيز”، والتي أُهديت إلى الملوك البولنديين، حيث كانت بولندا تضم حينها مجتمعاً أرمنياً مزدهراً يزيد عن مئة ألف نسمة. كانت صناعة السجاد حاضرة في أي مكان استقر فيه الأرمن، لكن للأسف أصبحت مساهمة الأرمن في فن النسيج طيّ النسيان، إذ إن الأرمن، كونهم شعباً بلا دولة، بدأ يُنظر إليهم فقط على أنهم تجار ينقلون السجاد من أوطانهم الجديدة إلى مختلف أنحاء العالم.
بعد أن أعلنت أرمينيا نفسها أول دولة مسيحية في عام 301 ميلادي، بدأت صناعة السجاد تأخذ شكلاً فنياً ذا هوية مسيحية. وفي العصور الوسطى، كانت أرمينيا تُعد من كبار مصدّري السجاد إلى أماكن بعيدة مثل الصين. ففي العديد من الأعمال الفنية الصينية في العصور الوسطى، على سبيل المثال، تم تصوير سجاد بنقوش كانت في الغالب مستمدة من التصاميم الأرمنية. وخلال هذه الفترة، تطورت فنون السجاد الأرمني جنباً إلى جنب مع العمارة الكنسية الأرمنية وفن المخطوطات المزخرفة، حيث كانت الزخارف التقليدية للسجاد تستند إلى نفس العناصر الفنية. وقد أصبحت الصليب وتنوعاته لاحقاً السمة الأساسية المهيمنة في تصاميم السجاد الأرمني.


في العصور الحديثة، ارتبط نسج السجاد الأرمني بشكل أساسي بسجاد القوقاز وشمال غرب فارس، وهي مناطق كانت حتى وقت قريب مأهولة بأعداد كبيرة من الأرمن. فمن السجاد القوقازي الكبير ذو تصميم “التنين” في القرن السادس عشر، وصولاً إلى السجاد المزهر ذو التأثير الفرنسي الذي نُسج في ناغورنو كاراباخ للأرستقراطية الروسية في أوائل القرن التاسع عشر، يُعتبر السجاد القوقازي الأرمني رائعاً ومتنوعاً في آنٍ واحد. وقد أصبح محل تقدير كبير من قِبل هواة الجمع خلال النصف قرن الماضي، ويتميز هذا السجاد بتصاميمه الجريئة، ألوانه الزاهية، وصوفه الناعم المخملي.
فُقد جزء كبير من التاريخ والمهارة في صناعة السجاد خلال الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915. فقد قتل الأتراك ما بين 600 ألف و1.5 مليون أرمني، وأجبروا العديد منهم على التهجير القسري. وعلى الرغم من النضال المستمر والخسارة المتكررة لأراضيهم، واصل الأرمن الحفاظ على تقليدهم في صناعة السجاد باعتباره شكلاً من أشكال الفن.
سعى الحكم السوفييتي أيضاً إلى القضاء على تقليد صناعة السجاد لدى السكان الأرمن. خلال الحقبة السوفييتية، تم القضاء تدريجياً على حرفة نسج السجاد التي كانت تمارسها معظم النساء الأرمنيات آنذاك. وقد تم تثبيط الإنتاج الفردي، وتمركزت صناعة السجاد في شركة حكومية ضخمة واحدة احتكرت عملية الإنتاج. كانت هذه الشركة تركز على الكمية دون أي اعتبار للقيمة الفنية. وكانت النتيجة إنتاج سجاد رتيب وخالٍ تماماً من الإبداع الفني.
ولكن مع استقلال أرمينيا وسقوط النظام السوفييتي، هناك حالياً حركة جارية لإحياء فن صناعة السجاد العريق من الماضي. تُعطى الأولوية للقيم التقليدية: استخدام أفضل أنواع الصوف من جبال القوقاز، خيوط مغزولة يدوياً، أصباغ تُحاكي تلك المستخدمة في السجاد التاريخي، والعودة إلى أساليب التصميم والإنتاج، واحترام الفن الذي فُقد خلال الخمسين عاماً الماضية. وتزخر أرمينيا بصوف عالي الجودة، وقد نجت حرفة الغزل والنسيج داخل البيوت الأرمنية في جميع أنحاء البلاد رغم القمع السوفييتي.
يُعرف السجاد الأرمني بتصاميمه ونقوشه وألوانه الفريدة. وغالباً ما يتضمن رموزاً هندسية، وعناصر زهرية، وأشكالاً لحيوانات، بالإضافة إلى حدود ومداليات معقدة. أما لوحة الألوان في السجاد الأرمني فهي عادة غنية ومفعمة بالحيوية، وتُعد درجات الأحمر، والأزرق، والأخضر، والذهبي من الألوان الأكثر شيوعاً فيه.
تختلف التقنيات المستخدمة في نسج السجاد الأرمني، لكن الطريقة الأكثر شيوعاً تُعرف باسم تقنية العقدة المزدوجة، والتي تُسمى أيضاً بالعقدة التركية أو عقدة غيردس (Ghiordes). وتتضمن هذه التقنية ربط ألياف الصوف أو الحرير حول خيطين من السدى (الخيوط الطولية) لإنشاء سجادة متينة وثابتة.
حاز السجاد الأرمني العتيق على اعتراف دولي بفضل جودته العالية وقيمته الفنية. وقد أصبح محل اهتمام واسع من قِبل جامعي التحف وعشاق الفن في جميع أنحاء العالم. ويُقدَّر هذا السجاد تقديراً كبيراً لما يحمله من دلالات تاريخية وفنية. وقد بُذلت جهود لحفظ هذا التراث وتوثيقه، لا سيما أنه أصبح أكثر ندرة نتيجة لعوامل مثل النزاعات، والتهجير، والهجرة.